قراءة في المخرجات الاجتماعية لمشروع تطوير التعليم

قراءة في المخرجات الاجتماعية لمشروع تطوير التعليم  

عبد الناصر قنديل

  خبير النظم التشريعية والبرلمانية

 نائب مدير مركز جسور للدراسات الإستراتيجية

 

تشهد الدولة المصرية حراك مجتمعي ومؤسسي واسع خلال السنوات الماضية انطلاقا من رؤية جديدة لطبيعة الدولة وشكل العلاقات التي ترتبط بين المواطنين وبين مؤسساتها الخدمية والتأهيلية أسفر عن نفسه بصورة واضحة من خلال إعادة رسم وتوزيع المخصصات المالية علي عدد من القطاعات التي تري كونها الأولي بالرعاية فنصت المادة ( 18 ) من الدستور الوطني 2018 علي تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن ( 3 % ) من الناتج القومي الإجمالي بينما نصت المادة ( 19 ) علي تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن ( 4 % ) والمادة ( 21 ) بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن ( 2 % ) والمادة ( 23 ) بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لحرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته لا تقل عن ( 1 % ) علي أن تتصاعد تلك النسب تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية .

ولم تتوقف ماكينة التفاعل المجتمعي عند حدود النصوص الدستورية أو طرح التعديلات القانونية المرتبطة بها بل تجاوزتها الدولة المصرية بالتوجه نحو صياغة عدد من الاستراتيجيات المركزية المرتبطة بأولويات العمل الوطني  بلغ عددها ( 18 ) خطة وإستراتيجية عددتها الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ( 2021 ) باعتبارها من مصادر قوتها المتاحة لضمان القدرة علي انجازها أبرزها إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة ( رؤية مصر 2030 ) والتي تمثل المرتكز الثالث من مرتكزات الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة ( 2030 ) والخطة الوطنية للقضاء علي أسوء أشكال عمل الأطفال في مصر ( 2025 ) والإستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ ( 2011 ) والخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم قبل الجامعي ( 2014 : 2030 ) وإستراتيجية التعليم العالي والبحث العلمي ( 2030 ) والإستراتيجية القومية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار ( 2030 ) والإستراتيجية القومية للصحة الإنجابية ( 2015 : 2020 ) والإستراتيجية الوطنية لمكافحة ختان الإناث والإستراتيجية الوطنية للحد من الزواج المبكر والخطة الإستراتيجية للتوسع في محطات تحلية مياه البحر لتوفير احتياجات مياه الشرب ( 2020 : 2025 ) والإستراتيجية الوطنية للطفولة والأمومة ( 2018 : 2030 ) وهي في مجموعها مخططات تعبر عن رؤية مركزية تؤمن بتلك الحقوق وضرورات كفالتها لصالح المواطنين اعتمادا علي تنوع في المدخلات وسبل التحقق وفقا لجدول زمني وتنفيذي ووفق أدوات للقياس والتحقق التي تعبر عن رؤية الدولة المركزية لمجالات الحق وتنوعها .

لذا فقد كان من الطبيعي أن تهتم الدولة بالتعليم وتتعامل مع تحديات تطويره باعتباره ضرورة ( حتمية ) لتحقيق التنمية المستدامة كانت دافعا ليعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حملته الانتخابية الأولي 2014 بأن بناء الإنسان المصرى على رأس أولويات الدولة ويجب أن يتم بناؤه على أساس شامل ومتكامل بدنياً وعقلياً وثقافياً لذا لم يكن مفاجئا أن يعلن الرئيس بعد تجديد الثقة به لدورة رئاسية ثانية ( 2018 ) باعتبار عام ( 2019 ) هو ( عام التعليم ) لكونه الركيزة الأساسية للنهضة والتقدم بما يؤكد علي الاهتمام المتنامي من الدولة بهذا الملف الاستراتيجي والعمل على الارتقاء والنهوض به لمستوى أفضل .

حيث بدأت الدولة  تطوير التعليم باعتباره يمثل الجناح الثاني لمنظومة بناء الإنسان المصري التي تقوم على النهوض بمنظومتي التعليم والصحة لما يمثلانه من أهمية بالغة في بقاء المجتمع المصرى قوياً ومتماسكاً وفق رؤية الدولة المصرية ( 2018 ـ 2022 ) التي قدمتها الحكومة كمشروع عمل استراتيجي لمجلس النواب تواكب مع فلسفة نظام التعليم الجديد الذي أقرته وزارة التربية والتعليم وهى الفلسفة التي تقوم على التعامل مع العملية التعليمية كمنظومة شاملة ومتكاملة في جوانبها العلمية والتربوية والثقافية والرياضية والوصول إلى مرحلة الفهم والابتكار وتنمية الملكات الإبداعية .

ولضمان تحقق تلك الرؤية المؤسسية فقد كان من اللافت أن تتضمن ( رؤية مصر 2030 ) أنه ( بحلول هذا العام إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز وفي إطار نظام مؤسسي وكفء وعادل ومستدام ومرن وأن يكون مرتكزًا على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً وأن يساهم أيضاً في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته ومستنير ومبدع ومسئول وقابل للتعددية يحترم الاختلاف وفخور بتاريخ بلاده وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية )

والواقع أن التعليم يعد واحداً من أهم مرتكزات التنمية الشاملة والمستدامة التي تحرص الحكومات في جميع الدول ـ بمختلف توجهاتها ‏السياسية وانتماءاتها الأيديولوجية ـ على تخصيص قدر ليس بالقليل من ميزانياتها لإنفاقه عليه حيث تعتبر قضية التعليم في مصر واحدة من أكثر القضايا المجتمعية إثارة للجدل نظراً لانعكاساتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ولذا كان هو ( التعليم ) حجر الزاوية في برنامج التحديث والتطوير الذي تتبناه الدولة المصرية بحكم ‏دوره المحوري في بناء الإنسان المصري وتطوير قدراته الذاتية وخبراته العلمية والعملية وبما جعل التعليم يحتل مرتبة ‏متقدمة في سلم أولويات الخطط التنموية للحكومة المصرية .

ويؤكد علماء التربية والمختصون في حقل التربية والتعليم على أن إصلاح السياسة التعليمية يبدأ بالتوجه الواعي إلى وجود مشكلة حقيقية في مجال التعليم وهذه المشكلة لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية لذلك يحتاج التعليم في مصر إلى إصلاح جذري شامل يتمثل في عمل إستراتيجية ثقافية طويلة المدى والقيام بإعادة النظر في الأهداف والوسائل بما يتلاءم مع التطور التكنولوجي الرهيب الذي يعيشه العالم وبما يتناسب مع أهمية الترابط والتوازن بين أجزاء النظام التعليمي المختلفة سواء بين التعليم العام والتعليم الفني أو بين التعليم العام والتعليم الجامعي أو بين الدراسات العليا ومراكز البحوث والتدريب .

ـ الإطار الدستوري للحق في التعليم

أورد الدستور الحق في التعليم باعتباره أحد الحقوق الرئيسية للمواطنين ضمن الباب الثاني الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع باعتباره جزاءا من المقومات الاجتماعية في صورة ( 7 ) مواد دستورية عرضت للحق وقدمت العديد من الضمانات والمحددات المرتبطة بالوفاء به حيث نصت المادة ( 19 ) في على أن ( التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمي في التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية والروحية وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وفقاً للقانون وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن ( 4 % ) من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها ) بينما نصت المادة ( 20 ) علي أن ( تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره والتوسع في أنواعه كافة وفقا لمعايير الجودة العالمية وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل ) وهو اهتمام خاص بقطاع تعليمي يمثل أحد المقومات الأساسية للتفاعل مع سوق العمل والوفاء باحتياجاته في القطاعات التي ترتبط ببرنامج التنمية الشاملة وأولويات الخطة الاقتصادية للدولة .

وفي خطوة غير مسبوقة وتمثل تطورا بالغا في رؤية مؤسسات المجتمع العام للتعليم فقد أفردت المادة ( 22 ) اهتماما خاصا بأحد المقومات الرئيسية لقضية التعليم وهم المعلمون حيث نصت علي أن ( المعلمون وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم الركيزة الأساسية للتعليم تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه ) بل وأعقبته المادة ( 24 ) والتي انطلقت صياغتها من رؤية خاصة بأولويات بناء الشخصية المصرية والمعارف الأساسية المشتركة التي ينبغي توحيدها حيث نصت علي أن ( اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني بكل مراحله مواد أساسية في التعليم قبل الجامعي الحكومي والخاص وتعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة )

أما عن التعليم الجامعي فقد خصصت للحديث عنه المادة ( 21 ) والتي نصت علي أن ( تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها وفقا للقانون وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن ( 2 % ) من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية والتزامها بمعايير الجودة العالمية وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية ) حيث ربطته الدولة بمستهدفاتها في اللحاق بركب التنافسية والثورة المعلوماتية والحق في الابتكار فنصت المادة ( 23 ) علي أن ( تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة وترعى الباحثين والمخترعين وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن ( 1 % ) من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي )

واختتم النص الدستوري حديثه عن ضوابط وضمانات التعامل مع الحق في التعليم بتكليف مركزي واجب النفاذ فنصت المادة ( 25 ) علي أن ( تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني وذلك وفق خطة زمنية محددة )

ـ أهداف التنمية المستدامة وعلاقتها بالتعليم ( الهدف الرابع )

في سبتمبر ( 2015 ) أقر قادة الدول في اجتماع تاريخي للأمم المتحدة وثيقة مستحدثة بعنوان خطة التنمية المستدامة ( 2030 ) وذلك في إطار العمل على حشد الجهود للقضاء على الفقر بجميع أشكاله ومكافحة عدم المساواة ومعالجة تغير المناخ معتمدة في ذلك علي عدد من الأهداف بلغ ( 17 ) هدف للتنمية والغايات ( 169 ) غاية دخلت جميعها حيز النفاذ في يناير 2016 كان من بينها الهدف الرابع بعنوان ( ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدي الحياة للجميع ) والذي تضمن ( 7 ) مقاصد أو غايات إضافة إلي ( 3 ) توصيات تنفيذية أتت علي النحو التالي :

ـ ضمان أن يتمتّع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة ( بحلول عام 2030 ) بما يعني ضرورة العمل علي توفير ( 12 ) سنة من التعليم الأساسي ( الابتدائي ـ الإعدادي ) والثانوي المجاني الشامل والمنصف والنوعي الممول تمويلا عام ـ والذي يكون ( تسع ) سنوات منه على الأقل تعليما إلزاميا مما يؤدي إلى نتائج تعليمية مناسبة ـ يجب ضمانه للجميع دون تمييز .

ـ ضمان أن تتاح لجميع البنات والبنين فرص الحصول على نوعية جيدة من النماء والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي حتى يكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي ( بحلول عام 2030 ) بما يعني أن يتم تشجيع توفير ما لا يقل عن عام واحد من التعليم لما قبل الابتدائي المجاني والإلزامي الجيد الذي يقدمه معلمون مدربون تدريبا جيداً بالإضافة إلى تنمية والعناية بالطفولة المبكرة .

ـ ضمان تكافؤ فرص جميع النساء والرجال في الحصول على التعليم المهني والتعليم العالي الجيّد والميسور التكلفة بما في ذلك التعليم الجامعي ( بحلول عام 2030 ) بما يعني أنه من الضروري الحد من العوائق التي تحول دون تطوير المهارات والتعليم والتدريب التقني والمهني بدءاً من المستوى الثانوي بالإضافة إلى التعليم العالي بما في ذلك التعليم الجامعي وتوفير فرص التعلم مدى الحياة للشباب والبالغين ويجب أن يتم توفير التعليم العالي بشكل تدريجي بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية القائمة .

ـ الزيادة بنسبة كبيرة في عدد الشباب والكبار الذين تتوافر لديهم المهارات المناسبة بما في ذلك المهارات التقنية والمهنية للعمل وشغل وظائف لائقة ولمباشرة الأعمال الحرة ( بحلول عام 2030 ) بما يعني أنه يجب توسيع فرص الوصول العادل إلى التعليم والتدريب التقني والمهني في حين يتم ضمان الجودة وينبغي زيادة فرص التعلم وتنويعها باستخدام مجموعة واسعة من طرائق التعليم والتدريب إضافة لاكتساب المهارات فمع مهارات العمل النوعية لا بد من التركيز على تطوير المهارات المعرفية وغير المعرفية وأيضا المهارات القابلة للتحويل مثل حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداع والعمل الجماعي ومهارات التواصل وحل النزاعات .

ـ القضاء على التفاوت بين الجنسين في التعليم وضمان تكافؤ فرص الوصول إلى جميع مستويات التعليم والتدريب المهني للفئات الضعيفة بما في ذلك للأشخاص ذوي الإعاقة والشعوب الأصلية والأطفال الذين يعيشون في ظل أوضاع هشة ( بحلول عام 2030 ) بما يعني ضرورة توافر ( الشمول والإنصاف ) حيث  جميع الأشخاص بغض النظر عن الجنس أو السن أو العرق أو اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير ذلك أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو مكان الولادة وكذلك الأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرون والشعوب الأصلية فإن الأطفال والشباب لاسيما أولئك الذين يعيشون في أوضاع هشة أو أي وضع آخر ينبغي أن يحصلوا على فرص التعليم الجيد الشامل والمنصف وفرص التعلم مدى الحياة إضافة لتوافر ( المساواة بين النوع الاجتماعي ) حيث ينبغي أن تتاح لجميع الفتيات والفتيان والنساء والرجال فرصة متكافئة للاستمتاع بالتعليم بجودة عالية وتحقيق مستويات متساوية والتمتع بفوائد متساوية من التعليم كما أنه ينبغي إيلاء اهتمام خاص بالمراهقات والشابات اللواتي قد يتعرضن لعنف النوع الاجتماعي وزواج الأطفال والحمل المبكر والعبء الثقيل للأعمال المنزلية فضلا عن أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية الفقيرة والنائية وفي السياقات التي يحرم فيها الأولاد ينبغي اتخاذ إجراءات محددة الهدف لصالحهم وتعتبر السياسات الرامية إلى التغلب على عدم المساواة بين النوع الاجتماعي أكثر فعالية عندما تكون جزءا من مجموعة شاملة تعزز الصحة والعدالة والحكم الرشيد والتحرر من عمل الأطفال .

ـ ضمان أن جميع الشباب ونسبة كبيرة من البالغين رجالا ونساء علي حد سواء يحققون معرفة القراءة والكتابة والحساب ( بحلول عام 2030 ) حيث يهدف هذا الإجراء إلى ضمان أنه بحلول ( 2030 ) يكون جميع الشباب والبالغين في جميع أنحاء العالم عليهم تحقيق مستويات إجادة مناسبة ومعترف بها في مهارات القراءة والكتابة والحساب التي تعادل المستويات التي تتحقق عند إكمال التعليم الأساسي بنجاح .

ـ ضمان أن يكتسب جميع المتعلّمين المعارف والمهارات اللازمة لدعم التنمية المستدامة بما في ذلك بجملة من السُبُل من بينها التعليم لتحقيق التنمية المستدامة وإتباع أساليب العيش المستدامة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والترويج لثقافة السلام واللا عنف والمواطنة العالمية وتقدير التنوع الثقافي وتقدير مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة ( بحلول عام 2030 ) بما يعني اكتساب المعارف والمهارات والقيم والمواقف التي يتطلبها المواطنون ليعيشوا حياة منتجة واتخاذ قرارات مستنيرة وتولي أدوارًا نشطة محليًا وعالميًا في مواجهة التحديات العالمية وحلها من خلال التعليم من أجل التنمية المستدامة والتعليم من أجل تحقيق المواطنة العالمية والذي يشمل تعليم السلام وحقوق الإنسان وكذلك التعليم المشترك بين الثقافات والتعليم من أجل التفاهم الدولي .

أما الوسائل التنفيذية التي رسخت لها الوثيقة باعتبارها أدوات رئيسية لقياس التقدم في تحقيق أهداف التنمية فقد أتت عبارة عن ( 3 ) وسائل ذكرت علي النحو التالي :

ـ بناء المرافق التعليمية التي تراعي الفروق بين الجنسين والإعاقة والأطفال ورفع مستوى المرافق التعليمية القائمة وتهيئة بيئة تعليمية فعالة ومأمونة وخالية من العنف للجميع حيث يتناول هذا الهدف ضرورات الحاجة إلى بنية تحتية مادية كافية وبيئات آمنة وشاملة ترعى التعلم للجميع بغض النظر عن حالة الخلفية أو الإعاقة .

ـ الزيادة بنسبة كبيرة في عدد المنح المدرسية المتاحة للبلدان النامية على الصعيد العالمي للبلدان النامية وبخاصة لأقل البلدان نموا والدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الأفريقية للالتحاق بالتعليم العالي بما في ذلك منح التدريب المهني وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبرامج التقنية والهندسية والعلمية في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية الأخرى ( بحلول عام 2020 ) بما يعني أنه في الحالات التي تقدم فيها البلدان المتقدمة المنح الدراسية للطلاب من البلدان النامية فإن هذه المنح ينبغي هيكلتها لبناء قدرة البلد النامي بينما يتم الاعتراف بأهمية المنح الدراسية يتم تشجيع الدول المانحة على زيادة أشكال الدعم الأخرى للتعليم وتماشيا مع تركيز الهدف الرابع على الإنصاف والشمول والجودة فإن المنح الدراسية يجب أن تستهدف بشفافية الشباب من خلفيات محرومة .

ـ الزيادة بنسبة كبيرة في عدد المعلمين المؤهلين بما في ذلك من خلال التعاون الدولي لتدريب المعلمين في البلدان النامية وبخاصة في أقل البلدان نموًّا والدول الجزرية الصغيرة النامية ( بحلول عام 2030 ) فالمعلمون هم المفتاح لتحقيق جميع غايات الهدف الرابع للتنمية ويتطلب الأمر اهتماما عاجلا لأن الفجوة في العدالة في التعليم تتفاقم بسبب النقص في توزيع المعلمين المدربين تدريبا مهنيا لاسيما في المناطق المحرومة وبما أن المعلمين هم شرط أساسي لضمان جودة التعليم فينبغي تمكين المعلمين والمربين وتعيينهم على نحو كافٍ ودفع أجورهم وتحفيزهم وتأهيلهم مهنيا ودعمهم في إطار أنظمة جيدة الموارد ومحكومة بشكل فعال .

ـ المحاور الرئيسية لإستراتيجية تطوير التعليم

أعلنت وزارة التربية والتعليم ـ كإطار رسمي معبر عن فلسفة الحكومة المصرية ـ عن رؤيتها الإستراتيجية للتعليم حتي ( 2030 ) اتساقا مع وثيقة أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الدولة كأحد الالتزامات الأساسية التي تؤمن بها وتسعي لتحقيقها بحيث تستهدف الإستراتيجية الوفاء بالرؤية المؤسسية التي تنص علي ( إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون التمييز وفي إطار نظام مؤسسي وكفء وعادل ومستدام ومرن وأن يكون مرتكزاً على المتعلم والمتدرب القادر على التفكير والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً وأن يساهم أيضاً في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكانياتها إلى أقصى مدى لمواطن معتز بذاته ومستنير ومبدع ومسئول وقابل للتعددية يحترم الاختلاف وفخور بتاريخ بلاده وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسياً مع الكيانات الإقليمية والعالمية ) حيث تنقسم إستراتيجية تطوير التعليم التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم إلى ( أربعة ) محاور هى :

أولا : تطوير النظام التعليمي

تهتم الدولة بتطوير النظام التعليمي من خلال تطوير المناهج وأسلوب التدريس ففي مرحلة ( رياض الأطفال ) يتلخص النظام الجديد في مناهج جديدة تماما وطريقة تدريس مبتكرة حيث تهدف تلك المناهج لأن يتعود الطفل منذ الصغر على أن يلغي من ذاكرته فلسفة الحفظ والتلقين ويكون شخصية مبتكرة مفكرة طموحة تستطيع حل المشكلات والتفكير خارج الصندوق وأن يكون الطفل أكثر انتماء لوطنه ويحترم الآخر ولديه روح التعاون مع الجميع ويتمحور كل ذلك حول ( بناء الشخصية المصرية ) حيث تم إلغاء الامتحانات في الصفين ( الأول والثاني ) الابتدائي واستبدالها بتطبيقات تقيس قدرات الطلاب بالإضافة إلى توفير مناهج رقمية للصفوف من الثاني الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي .

أما الصفوف ( الرابع : السادس ) الابتدائي فلن تؤثر الامتحانات في نجاح أو رسوب الطالب وإنما تهدف لقياس مستوى التحصيل الدراسي لكل طالب من دون درجات بل عبر تقديرات ( ممتاز ـ جيد جدا ـ جيد ـ مقبول ـ ضعيف ) حيث جري تغيير طبيعة المواد التي يدرسها الطلاب في المرحلة الابتدائية وفق النظام الجديد فهي تنقسم إلى شقين ( الأول ) مواد متصلة ببعضها فمثلا تكون هناك مادة تجمع اللغة العربية بالمفاهيم العلمية والمفاهيم الرياضية والمفاهيم الحياتية والفنية والمهارية وتكون دروسها وفق القدرات العقلية لطلاب كل مرحلة أما الشق ( الثاني ) فهي مواد منفصلة مثل اللغة الإنجليزية والتربية الدينية والأنشطة بشتى أنواعها وقد تم شراء مناهج رقمية ومواد تفاعلية إثرائية حتى تتم تنقية المناهج من الزيادات غير المفيدة .

ثانيا : تعديل نظام الثانوية العامة

أعلنت الدولة البدء التدريجي في خطة رقمنة المناهج التعليمية من خلال توزيع ( مليون ) جهاز ( تابلت ـ لوحي ) تعليمي مجانًا على طلاب المدارس الحكومية مع البدء بطلاب الصف الأول الثانوي كخطة تجريبية ابتداءً من العام الدراسي 2018 / 2019 وما تبعه من سنوات بحيث تم الوصول لعدد ( 4 ) دفعات متتالية إضافة لتعديل نظام الثانوية العامة بحيث يكون التقييم على عامين دراسيين عن طريق عدد من الامتحانات ويتم احتساب ( المجموع التراكمي ) على أساس الدرجات الأعلى لتلك الامتحانات بنسب تدريجية تضمن حضور الطلاب وخوضهم لجميع الامتحانات إضافة لإلغاء نظام المواد المنتهية حيث ستكون الدراسة في جميع المواد ممتدة على مدار العام مع إلغاء تقسيم ( علوم ـ رياضة ) داخل الشعبة العلمي بحيث يصبح التقسيم إلى شعبتين فقط ( علمي ـ أدبي ) وهو ما تم التراجع عنه في مرحلة لاحقة والاستمرار في نظام التقييم عبر العام الدراسي الأخير من المرحلة الثانوية ( الثالث ) وعدم إلغاء التشعيب .

ثالثا : المدارس المصرية  اليابانية

تسعى المدارس المصرية اليابانية إلى تطبيق النموذج الياباني من الأنشطة التعليمية ( توكاتسو ) وتشير هذه الكلمة إلى مفهوم التنمية الشاملة للطفل من جميع الجوانب والتي تركز على بناء شخصية الطفل المتمثلة في سلوكياته ومهاراته وقيمه واتجاهاته بنفس درجة الأهمية لتنمية معارفه ومعلوماته ومهاراته العقلية ومن ثم خلق مواطن صالح متزن منتج يعتز نفسه ويقوم بأدواره في المجتمع لما فيه صالحه الشخصي وصالح المجتمع ككل على حدٍ سواء ويتحقق ذلك من خلال مجموعة من الأنشطة المرتبطة بالمهارات الحياتية التي تدرج في الممارسات اليومية داخل المدرسة .

رابعا : المدارس التكنولوجية

يحتل التعليم الفني والتدريب المهني في الإستراتيجية المستقبلية ( رؤية مصر 2030 ) مساحة كبيرة ضمن محور الأهداف الاجتماعية حيث تستهدف الإستراتيجية الخاصة بالتعليم الفني والتدريب خلق جسر من التواصل الفاعل بين طالب التعليم الفني وبين أصحاب الأعمال حيث تحتل منظومة التعليم الفني في دول العالم المتقدم وفى الاقتصاديات سريعة النمو مكانة كبيرة وترجع أهمية التعليم الفني إلى أنه أحد أهم آليات الدولة فى مواجهة البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد فتم تغيير اسم مدارس التعليم الفني الجديدة ( نظام التعليم المزدوج ) لتصبح مدارس التكنولوجيا التطبيقية بحيث يحصل فيها الطالب على شهادة التكنولوجيا التطبيقية نظام الثلاث سنوات كما تعتمد مدارس التكنولوجيا التطبيقية على اتفاق ثلاثي بين وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص وشريك أجنبي لاعتماد وسائل تقييم الطلاب والشهادات من أجل بناء قدرات ومهارات الجيل الجديد من المبتكرين سعيا إلى تحقيق الاقتصاد القائم على المعرفة .

المناهج وقدرتها علي تنمية التفكير النقدي والإبداع 

تعد المناهج التعليمية احدي أدوات المجتمع في تربية أبنائه تربية هادفة مقصودة كما أنها من أهم أدوات غرس المواطنة لدي الأبناء لذلك فهي تحتاج للمراجعة المستمرة للتعرف علي مدي كفاءتها في تأدية رسالتها في ظل التطورات العالمية المتلاحقة علي كافة المستويات العلمية والتكنولوجية والفكرية الأمر الذي يعني ضرورة التعامل مع تلك التطورات وإعداد الأبناء لها بمعطيات العصر الذي يعيشون فيه ومن ثم فإن تطوير تلك المناهج وفق المعايير والمقاييس التربوية العالمية يعد البداية الحقيقية لإعداد الجيل الحالي للتعامل مع معطيات العصر ومتغيراته .

وتتمثل المعضلة الرئيسية في أن المناهج التعليمية الراهنة لابد من النظر إليها علي أنها لا تستوعب التغيرات العالمية والمستقبلية التي تفرضها طبيعة التحديات المحلية والإقليمية والدولية ولذا أصبح من الضروري تغيير محتواها لتواجه هذه التحديات مع العلم أنه كلما عدلته لتلحق بذلك التغيير كان التغيير قد قطع شوطا أخر يقتضي تعديلا جديدا في المناهج ( وهكذا )

وإذا كان المنهج ظاهرة اجتماعية ومحصلة لما قد يعتري المجتمع من تغيرات فان جودته أو معيار صلاحيته رهن بقدرته علي الاستجابة لتلك التغيرات الأمر الذي يجعله أقدر علي تحقيق النفع الاجتماعي وهو يصلح لتحقيق ذلك إذا كان محتواه من المادة الدراسية وطرائق التدريس وتكنولوجيا التعليم ومختلف الأنشطة أدوات ذات فاعلية في المواقف التعليمية وليس المقصود بالاستجابة هنا أن تجري تعديلات بالإضافة أو الحذف علي المحتوي من المادة الدراسية أو تغيير في طرائق التدريس أو غيرها من جوانب المنهج ولكن المقصود بالاستجابة هو بناء تلك المناهج في ضوء مستويات معيارية قومية وعالمية .

وتعد المناهج التعليمية أحد المحاور الأساسية للعملية التربوية والتعليمية وفقا لرؤية التطوير التي طرحها الدكتور طارق شوقي وقطع العديد من الخطوات تجاهها فالمناهج الجيدة هي التي تتصف بجودة الأهداف وتعمل مكوناتها الأخرى علي تحقيقها والتأكد من بلوغها حسب نوع الأهداف وتصنيفها من معارف ومهارات وقيم واتجاهات وحسب مستوياتها من المعارف الإدراكية الأولية إلي المستويات المعرفية العليا والمعقدة ومن المهارات البسيطة إلي المركبة ومن القيم والاتجاهات الانطباعية المتغيرة إلي الاتصاف بنظام ثابت ومتكامل من القيم وأنماط السلوك المتسقة مع بعضها البعض .

وواقع الحال أن الانتقادات التي توجه للمناهج التعليمية ـ رغم ما يدخل عليها من تحسينات شكلية ـ تنصب في الأساس علي اهتمامها بالجانب المعرفي وإهمال الجوانب النفسية والاجتماعية والفكرية بمعناها الشامل بما ترتب عليه من سمات جعلت الطلاب يدرسون تلك المناهج ويحفظونها لكنهم يبغضونها في الوقت نفسه لتتحول صلتهم بها إلي صلة وقتية تنتهي بانتهاء الدراسة واجتياز الاختبارات إضافة للعزلة بين المدرسة وبين الواقع سواء بالإصرار علي تدريس موضوعات لا تضيف للبنية المعرفية والسلوكية للطلاب .

لذا فقد كان من الطبيعي أن نسمع من النائب فريدي البياضي في معرض تعليقه علي المناهج المستحدثة للتطبيق علي الصفوف الأولي من المرحلة الابتدائية بأن ( المناهج الجديدة تشبه عملية جراحية جديدة رائعة لعلاج المريض من هذا الورم لكن الوزير استورد العملية الجراحية دون أن يستورد الجراح أو غرفة العمليات اللازمة ) فالواقع أن التعليم المصري في جانب كبير منه يقوم على التلقين غير القائم على تنمية التفكير أو الإبداع عند الطلاب كما أنه لا يساعد على اكتشاف مواهبهم وتنميتها لذا يجب التفرقة بين المعرفة من ناحية وطريقة ومنهجية الحصول عليها من ناحية أخرى فالتعليم الجيد يهتم ويركز على كيفية ومنهجية وطريقة الحصول على المعرفة أولا ثم تأتي المعرفة نفسها وتحصيلها حيث يساعد ذلك النمط التعليمي الطلاب ويدربهم على ذلك بما يؤدي بهم في نهاية المطاف إلى إبداع المعرفة بأنفسهم والإسهام بالإضافة إليها .

وبدلا من فرض مناهج ثابتة يتم تلقين الطلاب بها يمكن أن تقتصر بعض المناهج أو أجزاء منها في بعض المراحل التعليمية على مجموعة من الأهداف المعرفية والقيمية ويترك للطلاب المجال الحر لكيفية وطريقة اختيار مصادر ومراجع تحصيلها واكتسابها هذا بدوره يساعد أيضا على اكتشاف ميول الطلاب المعرفية واستغلالها الاستغلال الأمثل بما يفيد المجتمع .

وهنا يجب الإشارة إلى الفارق النوعي بين فروع المعرفة الطبيعية الثابتة والفروع الإنسانية النسبية فالتاريخ مثلا هو من فروع المعرفة الإنسانية وتختلف سردياته في المراجع المختلفة وفقا لعوامل كثيرة ومتنوعة وهو أيضا أكتر ما يتم تزويره وفرضه على الشعوب في الدول المتخلفة لذا فلابد من إعطاء الفرصة للطلاب للبحث بأنفسهم في موضوعاته في المراجع المستقلة وتوفير الإمكانيات لذلك ثم يقومون بكل حرية بعرضها ومناقشتها والاستفادة منها من خلال دراسة منحنياته وأحداثه وفترات النهضة والانحدار وأسبابها وعواملها ثم يربطون ذلك كله بالواقع الذي يعيشونه ويتأثرون به وهي مهمة رغم كونها شاقة ولكنها غير مستحيلة فقط إذا توفرت البيئة السياسية الداعمة والمناسبة .

وأكد الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم  أن نظام التعليم الجديد يركز على إتاحة التعليم المجاني بجودة عالية للجميع دون تمييز  مع الاهتمام بنظم ومخرجات التعلم وتحسين جودة النظام البحثي والتكنولوجي ( مفيش حاجة في النظام الجديد اسمها نجاح ورسوب ولا في حاجة اسمها الأول والأخير ونحاول أن نتجرد من ثقافة الامتحانات إلى ثقافة التقييم المستمر حتى لا يرهب الطلاب التعليم ولا توجد مدارس لغات في دولة تبحث عن هوية ) وأنه تم إعداد كتب جديدة لـنظام التعليم الجديد تركز على المتعلم نفسه بحيث تشجع هذه الكتب الطالب على فكرة التعلم من اجل الحياة وليس من اجل الامتحان يحث يتم ترسيخ أهمية فكرة التعلم مدى الحياة القائم على الكفاءة وكشف المواهب الحقيقية للطالب لافتًا إلى أن هذه الكتب تقدم التعلم متعدد التخصصات مع التركيز علي تنمية المهارات الحياتية لدى الطالب مثل ( حل المشكلات ـ الإبداع ـ التفكير النقدي ـ العمل الجماعي ـ احترام التنوع ـ التعاطف ـ إدارة الذات ـ تقبل الأخر  )

كما أوضح الوزير أن بناء محتوى مناهج نظام التعليم الجديد تكلف أكثر من ( مليار ) جنيه وهو الرقم الذي تم صرفه على عدة بنود تتمثل في الإطار العام لمناهج نظام التعليم الجديد  ( ١٤ ) سنة دراسية وتأليف وطباعة الكتب لثلاث سنوات دراسية هذا العام ( KG1 ـ KG2 ـ G1 ) مشيرًا إلى أن الباقة وحدها تتضمن ( ٣ ) كتب تشمل ( كتاب الطالب + دليل المعلم + دليل المعلم ) للرياضيات لكل سنة دراسية بإجمالي ( ٩ ) كتب ولو أضفنا الباقة نفسها باللغة الإنجليزية أصبحنا بحاجة لإعداد ( ١٨ ) كتابا للباقة فقط بالإضافة إلى كتب اللغة العربية واللغة الإنجليزية والدين الإسلامي والدين المسيحي بالإضافة إلى دليل معلم لكل منهم أي ( ٨ ) كتب إضافية ليصل إجمالي عدد كتب النظام الجديد بذلك إلى ( ٤٢ ) كتابا .

والحقيقة أنه رغم المزايا العديدة للتعليم عن بعد مثل سهولة الوصول للمحتوى التعليمي وكسر حاجز الحدود وتوفير الوقت وحل أزمة كثافة الطلاب وتخفيف الأعباء المالية التي تخصصها الأسر للإنفاق على التعليم مثل المواصلات العامة أو الخاصة التابعة للمدرسة وشراء المستلزمات المدرسية بيد أن ثمة تحديات لازالت تواجه هذا النمط من التعليم وتصعب من التعاطي معه كصورة مثالية لشكل التعليم الجديد الذي يصر الدكتور طارق شوقي علي تطبيقه نشير فيما يلي إلى أهمها :

ـ ضعف البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فعلى الرغم من أن التعلم عن بعد حقق نجاحا كبيرا في الدول المتقدمة الذي يتمتع ببنية تكنولوجية قوية لكن الأمر مختلف في حالة الدول النامية خاصة في ظل هشاشة البنية الرقمية وارتفاع تكلفة خدمة الإنترنت بالنسبة لمستويات الدخول .  

ـ ضعف مستوى التفاعلية حيث يرى البعض أن الافتقار للنواحي الواقعية أحد أهم العيوب في التعليم عن بعد الذي يحتاج إلى لمسات إنسانية بين المعلم والطالب ومن الصعب إيصال ذلك عبر الوسائط النصية الفورية .

ـ العزلة الاجتماعية حيث يُعد ضعف التزام الطلاب بمتابعة برامج التعليم عن بعد أحد التحديات فقد مثلت المدرسة متنفسا مهما للتعرف على الأقران مقارنة بالبقاء في المنزل لفترات طويلة وبالتالي لابد من توقع المقاومة العنيفة من قبل الأبناء لهذا التحول .

ـ جمود نظم التعليم إذ يعتبر الهيكل التنظيمي للمؤسسات التعليمية في الدول النامية من أكبر التحديات التي تحول دون تغيير طرق التعليم حيث تعاني من التركيز على الشهادات أكثر من المهارات بجانب مشكلة التلقين إلى جانب غياب التشريعات الداعمة للتعليم الالكتروني .

ـ صعوبة التقييم والامتحانات إذ ألغت العديد من الدول بالفعل الامتحانات النهائية وساد اتجاه لاستخدام المشروعات البحثية كوسيلة لتقييم الطلاب وفى الواقع إذا كان التعليم عن بعد مختلف عن التعليم التقليدي من ثم يجب أن تختلف عملية التقييم والامتحانات الخاصة به من حيث وضع ضوابط صارمة لضمان أن يتم ذلك بطريقة صحيحة والتأكد أن من أدى تلك الامتحانات هو الطالب نفسه وليس أي شخص آخر .

ـ نقص الوعي والتصور المتكامل عن التعليم عن بعد لدى كل أطراف العملية التعليمية إذ يتطلب الأمر مراجعة تصوراتنا عن التعليم فقد ساد في القرن الماضي تصور مفاده أن التعليم مسئولية المدرسة والمدرس لكن في حقيقة الأمر إن التعليم عملية ممتدة تتطلب مشاركة جميع الأطراف .

ـ عدم المساواة وغياب تكافؤ الفرص فقد أدى هذا النمط من التعليم إلى زيادة عدم المساواة بين الطلاب في ظل تباين واقع انتشار وسرعة شبكة الانترنت في كل دولة إضافة إلى امتلاك حواسب شخصية من عدمه وهو ما أدى إلى زيادة حدة الفجوة الرقمية وانعدام المساواة في إمكانات الاتصال بالإنترنت وتداعيات ذلك على جودة التعليم عن بعد .

أن مخرجات التعليم الاجتماعية يتقدمها الاتصال والتواصل وفهم الآخر ومقدرة طلاب المدارس على الاندماج في البيئة المحيطة بالإضافة إلى مدى استفادة هؤلاء الطلاب من التعليم وتوظيف المناهج بالحوارات وما يتمتع به من ميزات ومهارات معرفية في ظل وجود خلل كبير في المناهج التعليمية تظهر المعاناة منه داخل قطاع المدارس بسبب التغيير الذي يدخل عليها كل عام ما يشكل عائق كبير أمام الطلاب والأسر والمعلمين حيث أن المناهج تحتاج للكثير من البحث وفي ذات الوقت ليس كل الأهالي مثقفين أو قادرين علي دعم أولادهم بالبحث والتحليل وجمع المعلومات .

وتشمل المقررات الجديدة للصفوف المطورة من المرحلة الابتدائية منهج ( القيم واحترام الآخر ) الذي يتضمن ( 6 ) فصول عن ( الحب ـ التعاطف ـ احترام الآخر ـ تقدير العمل ـ العلم ـ التسامح والسلام ) وتستهدف منه الوزارة المحاربة المبكرة لأفكار التطرف بجانب بعض الموضوعات القريبة من علمي النفس والاجتماع حول استقلالية الإنسان والتفكير الإيجابي في قراراته أما منهج ( المهارات المهنية ) فيمثل محاكاة للنظام الألماني في الاستكشاف المبكر للأطفال لقدراتهم وإن كانت بعض دروسه أقرب إلى احترام الآخر خاصة ما يتعلق بالترابط الأسرى والأدوار والمسؤوليات في الأسرة وطرق حل المشكلات فيها ويتضمن المقرر دراسات حول مصادر المعرفة والزراعة في المنزل ورعاية نباتات الزينة والمهن الصناعية والإصلاحات المنزلية والمهن الفندقية والسياحية والمهن الأخرى في الأسر والحياة والعمل من أجل التنمية المستدامة والموارد وإعادة التدوير وميزانية الأسرة ويتكامل المنهج الجديد مع أنشطة التوكاتسو اليابانية التي تتعلق بمفهوم التنمية الشاملة للطفل وتركز على بناء سلوكياته ومهاراته مع تنمية معارفه ومعلوماته ومهاراته العقلية عبر ( التعلم من خلال الممارسة ـ التعلم من خلال اللعب )

وأشار المعلمون لأن أهم انتقاداتهم لمناهج الفلسفة بالمرحلة الثانوية تتعلق بالكتاب الذي يحمل عنوان ( الفلسفة وقضايا العصر ) لأن به معلومات لا علاقة لها بالفلسفة سوى العناوين وأن المعالجة ليست فلسفية بالمرة لأنها مقصوصة من الإنترنت ومن كتب الطب الوراثي مثل موضوع الفلسفة البيئية وهو يعد جزءا دقيقا من الدراسات الفلسفية المتخصصة التي لا تعنى طلاب الثانوية في شيء إضافة إلى وجود عدد كبير من المصطلحات العلمية التي تمثل صعوبة بالغة على طلاب القسم الأدبي حيث تداول المعلمون عددا من تلك المصطلحات منها ( علم الحياة الجزيئية ـ الحياة الخلوية ـ الغدد الصم ـ الإنجاب الاصطناعي ـ التلقيح الاصطناعي ـ الإخصاب خارج الرحم ـ بنوك المنى ـ بنوك الأجنة ـ استئجار الرحم ـ الجينوم البشرى ـ البيوجينيا ـ الإكسيولوجيا ) موضحين أن هذه المصطلحات وردت في الكتاب بتعريفاتها في إطار الحديث عن المعالجة الفلسفية للأخلاق الطبية وهى المصطلحات والتعريفات التي وصفها معلمو المواد الفلسفية بأنها بعيدة تماماً عن الدراسات الفلسفية وأنها تتعلق بالدراسات الطبية .

الكارثة كانت في رد الوزارة الذي مثل جزء من منهجية الاستسهال وإلقاء الاتهامات علي كافة الأطراف وهو سلوك غريب تتبعه الوزارة في السنوات الأخيرة حيث كان التبرير إن معظم المدرسين المعترضين على الكتب هم ممن يقاومون التغيير مشيرة إلى أن مافيا الدروس الخصوصية هم من يقومون بحملات تشويه للمناهج نظرا لعدم خبرتهم بها ولأنهم يقومون بتدريس مادة منذ زمن طويل ولا يريدون أن يجهدوا أنفسهم في التعامل مع منهج جديد .

كما أن الإطار المرجعي الحاكم لرؤية التطوير الشامل لمنظومة التعليم تثير بالأساس عددا من التحديات والاستفسارات النوعية المرتبطة بمدي القدرة علي تحقيق هذا النظام لحالة من الرضاء المجتمعي المرتبط بقناعة أطراف العملية التعليمية عن تطبيقاته إضافة لنجازة تحقيقه للمخرجات المختلفة للتعليم في ظل أهداف التنمية المستدامة يمكن أن تلخصها النقاط التالية :

أولا : أن مصر لديها بالفعل منهج متطور للطفولة المبكرة تمت صياغته بالتعاون مع جهات دولية كبرى منذ عدد من السنوات وبالطبع لا يمكن القول أن هذا المنهج وصل بتعليم الطفولة المبكرة في مصر لمستوى عالمي وهذا بسبب العوائق الهيكلية الكبرى التي قابلت تطبيقه فالجودة في هذه المرحلة ترتكز في الأساس على وجود معلمات مؤهلات يتم تدريبهن تدريبا محكما يعملن مع عدد محدود من الأطفال وفى الأغلب يتطلب الأمر أيضا وجود ميسرات تساعدن معلمة الفصل نظرا للأعداد الكبيرة في معظم فصول مصر فأين نحن من توفير هذه الموارد البشرية عالية التأهيل ؟ بل أين نحن من إتاحة تعليم الطفولة المبكرة لأطفالنا الذين يلتحق ( ٣٠ ٪ ) منهم فقط برياض الأطفال ؟ لماذا يتم الآن الإنفاق على تطوير مناهج أخرى جديدة ؟ لماذا لا يتم توجيه الجهود لعلاج جوانب القصور الحقيقية بداية من النقص في الموارد البشرية المؤهلة وصولا لإشكاليات الإتاحة وتكدس الفصول وضعف تجهيزها للأنشطة ؟ لماذا نهدر الموارد في الاتجاه الخاطئ ونكرر الجهد المبذول ونضطر لإعادة تدريب المعلمات والميسرات والموجهات على منهج جديد دون أن نحل أصلا المشكلات الأساسية ؟ وكيف يمكننا أن نظن أننا سنحقق نجاحا حقيقيا دون حل مشاكلنا الهيكلية ؟

ثانيا : كيف يمكن أن نغير مناهجنا في عدة أشهر ومعظم الدول تأخذ عدد من السنوات لإدخال مثل هذه التغييرات المهمة ؟ كيف يمكن أن يدعونا هذا للثقة أن هناك إصلاحات احترافية محكمة في الطريق وليس مزيدا من التخبط ؟ وحتى إذا أردنا البدء سريعا في التغيير كان يمكن أن نتخذ المنحى التجريبي فنطبق المنهج الجديد على نطاق ضيق في إطار من الدراسة والمتابعة الدقيقة بهدف رصد الفجوات في المحتوى والاحتياجات التدريبية للعاملين والمشكلات الإدارية التي يجب علاجها قبل تعميم المنهج أما إذا تمسكنا بعدم تطبيق مرحلة تجريبية كما يصر الوزير فالمتعارف عليه هو تطبيق سلسلة من الخطوات التحضيرية التي تأخذ عادة عدد من السنوات وبدون هذه الخطوات لا يمكن أن نوفر التحضير والتدريب الكافي الذي ينقلنا إلى نظام متطور جديد لأنه إذا كان التغيير حقيقيا وجذريا فالطبيعي أن يتطلب الكثير من التدريب والإعداد ومن دون ذلك فإننا نسبب الارتباك الشديد لمعلمينا وإداريينا ونثقلهم بمهام كبيرة ومتعجلة لن تؤدى إلا للتعثر والصعوبات كما نرى الآن مع بداية كل عام دراسي جديد .

ثالثا : قد يكون البعض قد رأى ما أعلن من أن طلاب مصر في جميع مدارسها سيتعلمون اللغة الإنجليزية من أول سنوات التعليم وبعض اللغات الثانية مع المرحلة الإعدادية  كخطوة إيجابية بل ومبهرة التساؤل إذن هو من أين ستأتي الوزارة فجأة بكل هؤلاء المعلمين والمعلمات في رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية والإعدادية الذين يجيدون الإنجليزية والفرنسية في جميع قرى ومدن وأحياء مصر ؟ وكم ستدفع كأجور لمن هم بمثل هذه المهارات اللغوية والتربوية المتقدمة لتجذبهم لمهنة التعليم الابتدائي والحضانة ؟ هل تعاقدت الوزارة بالفعل مع هذه الكفاءات أم أننا ننتظر أن يبدأ العام الدراسي لنجدها ؟ ألم يكن من الأفضل أن نركز جهودنا على تعليم طلابنا موادهم الحالية جيدا قبل أن نفكر في إضافة لغات جديدة لم نعد لإدخالها إعدادا جيدا ؟

رابعا : نظراً لعدم وجود ضمانات واقعية لنجاح النظام التعليمي الجديد فإن النتيجة ستظل معلقة على التجربة وقد ينجح أو يفشل وهو ما يدفع الكثيرين إلى التخوف من النتائج في حال الفشل إذ لم تقدم الوزارة أي خطط بديلة أو إجراءات وقائية في حال الفشل والذي سيؤدي إلى مزيد من التخبط والعبث بمقدرات أجيال تعليمية قادمة فبالنسبة للاختبارات فقد أعلن الوزير أنه لن تكون هناك اختبارات في النظام الجديد بمرحلة رياض الأطفال وللصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي وسيكون التقييم من خلال أنشطة وتطبيقات تقيس مهارات الفهم والاستيعاب وهو أمر فضفاض ومبهم إذ لم يتم تحديد تلك الآلية أو نوعية الأنشطة أو الإعلان عن توافر أدوات القياس مما يثير المخاوف من التلاعب في النتائج أو الإهمال في الأداء وهو ما لم تضمن الوزارة عدم حدوثه في ظل قلة إمكانيات المدارس وضعف مستوى المعلمين والكثافة الطلابية التي قد تعوق أو تمنع إجراء الاختبارات بصورة جيدة وفيما يخص الصفوف الأعلى فإن الوزير أعلن عن اختبارات للصف الرابع الابتدائي ليست بهدف الحصول على درجات بل لمعرفة مستوى الطالب وهي أيضاً آلية مبهمة وغير محددة إلى جانب النظام التراكمي المزمع تنفيذه بالمرحلة الثانوية العام المقبل والذي يصيبه أيضاً الإبهام وعدم الوضوح فضلاً عن افتقار الضمانات والآليات اللازمة لتحقيقه .

خامسا : أكد الوزير أن خبراء اللغويات أجمعوا على أن تثبيت اللغة الأم يستوجب أن تكون المناهج باللغة العربية وهو أمر صحيح لكن البعض تحفظ على ذلك بدافع أن مناهج اللغة العربية بالمدارس لا تجعل الطالب قادراً على إدراك وإتقان اللغة العربية قراءة وكتابة وتعبيراً وهو ما يدفع الطالب بعيداً عن لغته الأساسية وإذا تم تدريس المناهج باللغة العربية بنفس طريقة ومحتوى المناهج الحالية فقد يعود الأمر بالضرر على بقية المواد وليس اللغة العربية وحدها وإذا كان الطلاب يعانون من ضعف اللغة العربية فهذا يمكن إصلاحه بتحسين مناهجها وطرق تدريسها وربطها بالواقع وإذا أرادت الوزارة ترسيخ الهوية والانتماء بجعل الدراسة باللغة العربية فلماذا تم استثناء المدارس الدولية والخاصة للغات من النظام الجديد ؟ ألا تضم طلاباً مصريين يحتاجون إلى تنمية الهوية لديهم ؟ خاصة أن طلاب المدارس الدولية يظهر جلياً ضعف اللغة الأم لديهم والانتماء لهوية الدولة التي تتبعها المدرسة أليسوا هم أولى بإجادة اللغة العربية والهوية من طلاب المدارس الحكومية ؟

قراءة نقدية لأزمات تطوير التعليم المصري

مما لا شك فيه أن التعليم ( الجيد ) يلعب دورا مهما في تطور المجتمعات ونهضتها لذا وجب توجيه النظر والاهتمام بشكل فاعل للأزمة وأبعادها متي ظهرت في ذلك المجال وإعطائها الأولوية القصوى التي تستحقها من البحث والتوصيف والمناقشة حيث تتخذ أزمة التعليم في مصر أبعادا سياسية وفنية قياسا بقدرتها علي الاستجابة وتحقيق المستهدفات وفق رؤية التنمية المستدامة التي تعد مرجعية للرؤية الإستراتيجية المصرية في مجال التعليم .

والواقع أنه لا يمكن قراءة معضلات وتحديات واقع التعليم المصري دون الوقوف أمام مجموعة رئيسية من المؤشرات ربما يمكن القول بأنها الأساس الفعلي لأزمات التعليم المصري وعدم قدرته علي الاستجابة لأهداف التنمية المستدامة وذلك علي النحو التالي :

ـ أن الدعم السياسي الذي حظيت به السياسات التعليمية في مصر منذ بداية ‏الإصلاح التعليمي لم يرق في تعامله مع هذه القضية إلي مستوي قضايا الأمن ‏القومي لا من ناحية التمويل والدعم المادي ولا من ناحية توفير الأطر القانونية ‏والمؤسسية التي تعضد التوجه نحو التعليم كقضية أمن قومي  .

ـ عدم مراعاة رؤية المؤسسة التعليمية ذاتها لعملية الإصلاح أو محاولة استيعابها رغم قدرتها الغير محدودة علي إعاقة أو تيسير فرص النجاح للمنظومة خصوصا في ظل امتلاكها للعديد من المطالبات المشروعة والعاجلة أيضا .

ـ سيطرة الأهداف الطموحة علي المستوي الكلي علي رؤية وتصرفات القائمين علي إدارة ‏المؤسسة التعليمية ( وزارة التربية والتعليم ) وغياب الأهداف العملية والمؤشرات الكمية المحددة بدقة والقابلة للتنفيذ خلال ‏فترة زمنية معقولة بالإضافة لغياب المتابعة والمساءلة حول مدي الالتزام بتلك الخطط .

ـ الإقدام علي كثير من الخطوات المستحدثة والمفاجئة والمتداخلة دون دراسة مسبقة أو تقييم استشرافي للنتائج المتوقعة لتطبيقها مما ‏أدي إلي تشتيت الجهود أو تواضع النتائج في أحسن الأحوال .

ـ ضعف مؤشرات جودة وكفاءة النظام التعليمي في مصر

في مختلف أنحاء العالم ـ بما في ذلك البلدان التي تعاني من المشكلات الملحة كالبطالة وعدم الاستقرار السياسي ـ يتساءل صناع السياسات بها عن مدى نجاح المدارس والجامعات في إعداد الخريجين ليجدوا فرصًا مناسبة للعمل ويكونوا مواطنين صالحين في مجتمعاتهم ؟ وغالبًا ما تكون الإجابة علي هذا التساؤل بأن أداء تلك المدارس والجامعات لا يرقى إلى المستوى المطلوب .

وللتغلب علي تلك المعضلة يسعى القائمون على التعليم إلى تحديد نوع المعارف والمهارات التي يحتاجها الخريجون لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين من خلال البحث عن وسائل لتغيير المناهج وتطبيق طرق تدريس جديدة تحقق هذه النتائج ولكن ( نادرا ) ما تكون تلك الإصلاحات سلسلة فالنظم التعليمية تتبع طرقًا بالية وتستخدم المحتويات والوسائل التقليدية المألوفة للقائمين علي العملية التعليمية رغم أن ما كان يعتبر أفضل مستوى للتعليم منذ جيل أو جيلين قد لا يوفر المهارات المطلوبة والمعرفة المرجوة اليوم .

يأتي ذلك في إطار تزايد الاهتمام والتركيز العالمي حول تدريس ( التفكير النقدي ) من خلال مطالبة الطلاب بالتساؤل عن المعلومات والآراء المقدمة لهم وجمع الدلائل التي تدعم أفكارهم حيث تتزايد الحاجة لتلك المهارات لتحقيق النجاح في ظل تغير بنية اقتصاد القرن الحادي والعشرين حيث يمكن أن تتغير التوصيفات الوظيفية باستمرار مع زيادة التقدم التكنولوجي والعولمة وترتبط هذه القضية ارتباطًا وثيقًا بالبلدان العربية كما يقول العديد من الخبراء فكتب حافظ غانم  ( لا يتعلم الطلاب في المنطقة ما نطلق عليه مهارات القرن الحادي والعشرين مثل العمل في فريق وحل المشكلات والابتكار والمجازفة فهناك مشكلة حقيقة في المناهج فهي تقليدية للغاية وتستند كثيرًا إلى الحفظ ) ويرى بعض العلماء وجود مشكلة أخرى أكثر إلحاحًا تستلزم تغيير المحتوى الذي يتعلمه الطلاب وكيفيه تعلمه ففي الفترة التي شهدت تقلبات كثيرة في أعقاب ثورات الربيع العربي كان ينبغي أن تلعب المدارس ( دورًا محوريًا في تطوير مهارات وقيم ديمقراطية طويلة المدى مثل احترام التعددية وحقوق الإنسان الأساسية ) كما كتب محمد فاعور .

أولا : التغطية الجغرافية

علي الرغم من أن التعليم الأساسي إلزامي في مصر حسب المادة ( 19 ) من الدستور إلا أن إجمالي عدد المناطق المحرومة من التعليم الأساسي يبلغ ( 10,3 ) ألف منطقة محرومة تتوزع حسب الكثافات السكانية فنجد ( 7,7 ) ألف منطقة محرومة تقع في المناطق التي يتراوح عدد السكان بها بين ( 60 : 240 ) نسمة و ( 1,8 ) ألف منطقة محرومة تقع في المناطق التي يتراوح عدد السكان بها بين ( 240 : 500 ) نسمة فيما تقع ( 748 ) منطقة محرومة في المناطق التي يتعدي عدد سكانها ( 500 ) نسمة وللتغلب علي هذا العجز الصارخ فقد تم تقدير عدد الفصول المطلوبة لتوصيل الخدمات التعليمية للمناطق المحرومة فبلغ ( 41,2 ) ألف فصل بتكلفة ( 9,1 ) مليار جنيه .

وبتطبيق منهجيات تطوير منظومة التعليم وما يتطلبه تطبيقها من إمكانيات وموارد هائلة علي مستوي الشبكات وخدمات الانترنت فقد ظهرت الفجوة العميقة بين متطلبات التطوير وقدرات المؤسسات التعليمية علي تلبيتها سواء نتيجة عيوب هيكلية في البنية التأسيسية للمدارس التي تتعارض في معظمها مع احتياجات الشبكات والتطوير أو نتيجة عدم كفاءة التغطية والشبكات التابعة لوزارة الاتصالات والتي تعجز عن تقديم خدمات انترنت جيدة لكامل مساحة الدولة المصرية علي تقديم الدعم والمساندة المطلوبة لنجاح المنظومة بما كان سببا في الإعلان الدائم لوزير التعليم عن تبرير مستدام بمسئولية وزارة الاتصالات عن تلك الأزمة وكونها خارج نطاق اختصاصه رغم تأثيراتها بالغة العنف علي نجاح المنظومة الجديدة دون التوقف للحظة للتحاسب حول مدي الاعتماد علي الدراسات القبلية والتوثق من قدرة تلك البنية علي الوفاء بمتطلبات واحتياجات المشروع وكيفية سد الفجوة بين الواقع المتاح وبين الغايات المفترضة والتي تحدث عنها العديد من الخبرات والمهتمين في معرض تعليقهم علي المنظومة وممكنات نجاحها .

ثانيا : الكثافات الطلابية

تعد المباني التعليمية هي أحد أهم مدخلات العملية التعليمية التي تؤثر علي جودة مخرجات تلك العملية حيث تهتم غالبية دول العالم ـ التي تتميز بنمط تعليمي متميز ـ بمتوسط عدد الطلاب في الفصل الواحد وعدد الساعات التي يقضيها الطالب في المدرسة حيث يؤثر ذلك علي جودة التعليم بشكل كبير .

وتعتبر الكثافات العالية في المدارس والفصول والفترات التعليمية المتعددة في مصر من أخطر المشكلات التي تواجه المباني التعليمية حيث يبلغ عدد تلك المباني التي تعاني من كثافات عالية ( 9,4 ) ألف مبني دراسي تمثل ( 37,8 % ) من إجمالي المباني المدرسية الحكومية في مصر كما أن هناك ( 4,2 ) ألف مبني دراسي يعمل بنظام الفترات المتعددة بنسبة ( 16,7 % ) من إجمالي المباني الدراسية الحكومية وهو ما يؤثر بالسلب علي عدد الساعات التي يقضيها الطلاب في المدارس وتشير بيانات وزارة التربية والتعليم إلي أن متوسط كثافة الفصول الدراسية في مصر يبلغ ( 45 ) طالب لكل فصل دراسي رغم أن بعض المشاهدات في بعض مناطق العشوائيات وقري الصعيد تحدثت عن كثافات وصلت إلي ( 120 ) طالب بالفصل الواحد وهو ما كان أحد أبرز المشكلات التي صاحبت جائحة كورونا وما تبعها من إجراءات تستهدف تحقيق التباعد الصفي .

وقد قدرت الدراسات الأكاديمية وكذا برنامج الدولة المصرية ( 2018 ـ 2022 ) والمشروع الوطني لتحديث القري المصرية ( حياة كريمة ) عدد الفصول الدراسية التي تحتاجها مصر لتخفيض الكثافة بالفصول بنحو ( 46,3 ) ألف فصل بتمويل قدره ( 10,2 ) مليار جنيه إضافة لأن عدد الفصول التي تم تقديرها للقضاء علي ظاهرة تعدد الفترات بالمدارس الحكومية بلغ ( 50,1 ) ألف فصل بتكلفة ( 11 ) مليار جنيه .

وقد زاد من إحساس ومعاناة الكثافة العددية للطلاب بما يتقاطع ويعوق نجاح المنظومة والتواصل الخلاق والبناء مع الطلاب بما يتجاوز أعدادهم الفعلية داخل الفصول محاولة الالتفاف حول قضية العجز في أعضاء هيئات التدريس وعدم الالتزام بما تتطلبه المدارس من تعيينات جديدة وفقا لتخصصات محددة وهو أمر كان مثار استهجان العديد من الدوائر المجتمعية وسببا في تقديم أعضاء مجلس النواب للعديد من الأسئلة وطلبات المناقشة لاستيضاح السياسات الحكومية للتعامل مع تلك القضية والبدائل المقترحة للتغلب عليها .

ثالثا : معدلات التسرب والغياب والرسوب

يعد من أهم معايير تقييم جودة أي نظام مدرسي مدي كفاءة النظام المطبق في استخدام موارده ومن ثم فإن ظواهر الغياب عن الفصول أو الرسوب وإعادة الصفوف الدراسية أو وجود حالات تسرب بين الطلاب قبل إتمامهم مراحل التعليم الإلزامي هي بمثابة مؤشرات تدل علي عدم كفاءة النظام التعليمي في تقديم الخدمات التعليمية .

وبحسب نتائج مسح أجراه مجلس السكان الدولي بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم القرار فان التغيب عن المدرسة يقلل وقت التعلم الفعال وقد تبين أن متوسط أيام غياب التلاميذ في المرحلة الابتدائية يبلغ ( 5,4 ) يوم خلال الفصل الدراسي في حين أن تلاميذ المرحلة الإعدادية سجلوا ( 6,6 ) يوم أما تلاميذ المرحلة الثانوية ففي كثير من الأحيان قد سجلوا ضعف تلك النسب السابقة بواقع ( 11,2 ) يوم بالنسبة للثانوية الفنية و ( 10,7 ) يوم بالنسبة للثانوية العامة وهي دراسة أجريت قبل ظهور وباء ( كوفيد 19 ) وما تبعه من تعطيل العمل بالمدارس لفترة وعودتها وفقا لاشتراطات تنظيمية خففت من القيود المرتبطة بضرورة حضور الطلاب وكانت سببا في خواء أغلب المدارس الحكومية وافتقادها لعناصر الجاذبية التي تدفع الطلاب للاهتمام بالحضور .

وقد أفاد ما يقرب من ( 23,9 % ) من طلبة الثانوية الفنية أن أحد أهم أسباب تغيبهم عن المدرسة هو عدم الاستفادة من الخدمات التعليمية المقدمة لهم بينما أفاد أكثر من ثلث طلاب الثانوية العامة ( 39 % ) أن سبب التغيب هو تحصيل الدروس خارج المدرسة ( الدروس الخصوصية ) وهي الظاهرة التي امتدت لتشمل بشكل رئيسي طلاب الشهادة الإعدادية ليصبح الأصل هو عدم حضور طلاب السنوات النهائية لكافة المراحل التعليمية وهو ما يؤكد علي حقيقة عدم كفاءة الخدمات التعليمية المقدمة للطلاب خلال الوقت الذي يقضونه في المدرسة .

وتعد ظاهرة الرسوب وإعادة الصفوف الدراسية أحد مظاهر عدم الكفاءة في النظام التعليمي المصري فإلي جانب العوامل الذاتية التي تتعلق بالقدرات الذهنية للطلاب والحالة النفسية والصحية والعوامل الاجتماعية والأسرية نجد أن العوامل الدراسية المدرسية ذات أهمية كبيرة في التأثير علي رسوب الطلاب ومنها طبيعة المعاملة في المؤسسات التعليمية والتي قد تدفع الطالب لكراهية التعليم والعزوف عنه فضلا عن تعقيد المناهج وأساليب التقييم البالية وعدم توافر الأدوات والوسائل اللازمة التي تسمح للطلاب باستيعاب المعلومات بصورة سهلة ومبسطة .

والحقيقة أن مشكلات التسرب والرسوب في حقيقتها تشير إلي العديد من الأسباب المتعلقة بالبيئة المدرسية غير الجاذبة للطلاب ومنها ارتفاع كثافات الفصول والتكدس إلي جانب ضعف هيئة التدريس وعدم تدريبها بشكل يسمح بخلق تواصل بينها وبين الطلاب بما يؤدي لكراهية الطالب في التعليم إلي جانب عدم جاذبية المناهج الدراسية وعدم ارتباطها بالواقع الفعلي كما يرتبط بذلك أيضا الأسباب الاقتصادية حيث استخدام الأطفال في العمل للحصول علي الموارد المالية وفي نفس الوقت توفير نفقات التعليم لاسيما وأن العائد المالي والاجتماعي للتعليم أصبح ضعيفا خاصة للفتيات .

رابعا : مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل

من أخطر التحديات التي تواجه التعليم في مصر انخفاض كفاءة التعليم لاسيما التعليم الفني وعدم ملائمة مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل حيث نجد أن نحو ( 42,9 % ) من أصحاب الأعمال يرون أن قطاع التعليم العالي لا يزود سوق العمل بالتخصصات والمهارات والكفاءات المطلوبة في حين أفاد نحو ( 20 % ) منهم أنه يزود سوق العمل نوعا ما بالتخصصات والكفاءات المطلوبة بينما يري ( 33,9 % ) منهم أن قطاع التعليم العالي يزود سوق العمل بما يحتاج له فعلا من تخصصات وكفاءات .

وبحسب ما صرح به الدكتور محمد مجاهد نائب وزير التعليم للتعليم الفني فقد تم اعتماد رؤية لتطوير قطاع التعليم الفني تعتمد علي تطبيق منهج ( الجدارات ) وهي إعادة بناء مناهج التعليم الفني على أساس الجدارات في إطار التعليم المناظر للتعليم الفني بألمانيا بأن يكون خريجي التعليم الفني لديه مهارات سوق العمل حيث أكد علي نجاح الوزارة في تطوير منهج ( ٤٠ ) مهنة في سبتمبر ٢٠١٩ وبناء ( ١٠٥ ) مدرسة فنية استطاعت تخريج ( ٢٣ ) ألف طالب على نظام الجدارات العام الدراسي الماضي إضافة للنجاح في عملية تطوير ( ٨٠ ٪ ) من مناهج التعليم الفني وسيتم تطبيق مناهج التعليم الفني الجديدة في ( ٨٥٠ ) مدرسة من أصل ( ٢٠٠٠ ) مدرسة تمهيدا لتطبيق المشروع المطور في باقي المدارس خلال العام الدراسي المقبل ( سبتمبر ٢٠٢٢ )

ويعانى التعليم الفني على مدى العقود الأخيرة من مشكلات عدة تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر في إفشال التجربة التي تبنتها الدولة واعتقدت أنها المخرج الفعال من أزمات تأهيل العمالة المصرية ورفع كفاءتها في ضوء التوجه لأنماط اقتصاد التصنيع وفتح المجالات أمام الاستثمار الاقتصادي ومن أبرز تلك المشكلات :

ـ ضعف الإمكانيات وقلة المعدات حيث لا يتمكن الطلاب من التعامل مع الأدوات العلمية وأدوات القياس الخاصة بتخصصاتهم الأمر الذي يسفر عن انحدار معدل الفهم لدى الطلاب بسبب ضعف التجربة العملية على أرض الواقع ( ويؤكد الخبراء أن المعلمين يقولون أنهم يحرصون على سلامة الأدوات بسبب توقيعهم على تعهدات تلزمهم بالحفاظ على الأدوات وحمايتها من الكسر ) بالإضافة إلى تدهور المعامل الموجودة بالمدارس وقلة الوعي بأهميتها .

ـ تشكل مناهج التعليم الفني الحالية أزمة كبيرة أدت إلى فشل تجربته حيث أسهمت تلك المناهج فى خلق فجوة كبيرة بين قدرات الخريجين وبين احتياجات سوق العمل نتيجة لعدم ارتباطها بمجالات العمل المختلفة فى الصناعة كما أن تطوير تلك المناهج وتوفير الأدوات وخامات التدريب يتطلب توفير الكثير من الموارد المالية وفي ظل الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد يصعب توفير مثل هذه النفقات مما يسبب أزمة للتعليم الفني وقدرته علي ملاحقة التطور في مجال الصناعات .

ـ يغلب ضعف الخبرة أو انعدامها لدى الكثير من العاملين بالتدريس في قطاع التعليم الفني لذلك نجد معظمهم غير متخصصين وقد رصدت وزارة التعليم الفني العديد من مظاهر عدم الانضباط لدى المسئولين عن تلك المدارس

ـ تسبب غياب برامج التدريب الحقيقي وتجاهل تنفيذ التجارب المعملية في انحدار مستوى التعليم حيث تحول التعليم الفني الصناعي إلى مناهج نظرية ومعرفية فيما تم إهمال النواحي التدريبية الأمر الذي تبعه انقطاع التواصل وبروتوكولات التعاون بين المدارس الفنية والصناعية وبين المصانع والمؤسسات الإنتاجية مما أهدر إمكانية حصول الطالب على فرصة تدريبية تؤهله لسوق العمل

كما يزيد من حجم الأزمة افتقاد المناهج التعليمية المختلفة لأنماط ومراحل التعليم بمستوياته المتداخلة للمهارات الأساسية والمعرفية التي يتطلبها سوق العمل بدوائره المتعددة بحسب ما كشفت عنه برامج التنمية ومشرعات التطوير المنفذة عبر العديد من المبادرات الرئاسية التي يتقدمها ( حياة كريمة ) كنموذج شديد التكامل للنشاط الذي يتطلب تضافر كافة الخبرات والمهارات لدي القائمين علي تنفيذ نشاطاته المتعددة علي المستوي المهني والاقتصادي والتجاري والتسويقي والمعرفي الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في السياسات المطبقة في المجال التعليمي بناء علي تلبية احتياجات سوق العمل وفي ضوء النجاحات التي تحققت للمدارس المتخصصة التي توجهت للتوسع فيها العديد من المؤسسات الاقتصادية بعد توقيع بروتوكولات التعاون مع وزارة التربية والتعليم لتكون نموذج قابل للتكرار والتعدد .

خامسا : التعليم من المجانية إلي التسليع

يرتبط مبدأ ( مجانية التعليم ) في الحالة المصرية ارتباطا وثيقا بالتجربة الناصرية في مسار يتوازى مع التحركات العالمية المطالبة بتعميم التعليم علي جميع أفراد المجتمع وإتاحته مجانا ـ دون استثناء أحد ـ بناء علي وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي أو الجغرافي وهو ما تمت ترجمته ـ لاحقا ـ علي مستوي المؤسسات والعلاقات الدولية عن طريق المواثيق والاتفاقيات الدولية التي رسخت لكون التعليم حق إنساني وبخاصة العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي وقعت عليه الدولة المصرية ( 1967 ) وصدقت عليه ليصبح جزء من مصفوفة التشريع الوطنية ( 1982 )

علي أن هذا الحق تعرض لانتكاسة عنيفة بداية من عام ( 1991 ) مع بدء تطبيق ( برنامج التكيف الهيكلي ) والذي كان مدخلا رئيسيا للسياسات النيوليبرالية التي اتبعتها الحكومة في رسم سياساتها الاقتصادية التي مالت نحو تقليل المخصصات المالية للإنفاق علي الخدمات العامة وعلي رأسها التعليم والصحة ومن ثم انخفضت رواتب المعلمين وضعف وإهمال البنية التحتية التعليمية بالتزامن مع ارتفاع كثافات الفصول ما أدي إلي تردي نوعية التعليم الحكومي الرسمي في الوقت الذي انفتح فيه مجال الاستثمار في التعليم أمام القطاع الخاص ليعوض غياب الجودة والمهارات بين جدران القطاع الحكومي لكن مقابل رسوم ومصروفات تقصر التعليم مرتفع الجودة علي الفئات التي تملك القدرة المالية لشرائه .

فكانت النتيجة أن أصبح الإنفاق علي التعليم كحصة من الدخل السنوي في المراتب الأولي علي قائمة الإنفاق الأسري حسب المصادر الرسمية والتي تشير إلي أن ( التعليم تحول إلي سلعة لا يشتريها إلا الميسورون ) فعلي سبيل الاستدلال فإن إنفاق ( 90 % ) من الأسر المصرية الأدنى دخلا بلغ ( 55,7 % ) من مجمل الإنفاق علي التعليم عام 2015 بعدما كان يصل إلي ( 61 % ) عام 2013 في مؤشر لتراجع وانخفاض إنفاق غالبية الأسر علي التعليم وفي المقابل فان شريحة السكان الأعلى دخلا ( 10 % ) ارتفع إنفاقها علي التعليم إلي ( 44,3 % ) بعدما كان ( 39 % ) بما يعني ترجع إنفاق غالبية الأسر الأقل دخلا ( 90 % ) بنسبة ( 5,6 % ) مقابل ارتفاع إنفاق الأسر الأعلى دخلا ( 10 % ) بنسبة ( 5,3 % ) في الفترة نفسها .

فعلي سبيل المثال تضمنت مواد قانون إنشاء الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم التقني والفني والتدريب المهني إصدار شهادتين الأولي باعتماد المؤسسة والثانية باعتماد البرامج تكون صالحة لمدة ( 3 ) سنوات برسوم مالية للإصدار والتجديد بما لا يزيد عن ( خمسين ) ألف جنيه للمؤسسة و ( عشرين ) ألف جنيه للبرامج ناهيك عن رسوم خوض الامتحانات للشهادات العامة والحصول علي الأوراق أو التظلم من النتائج وربط كافة الخدمات التعليمية بسداد المصروفات .

بل تسببت منظومة التعليم المطورة في زيادات مطردة وعنيفة في حجم المخصصات التي تكفلها الأسر للتعليم باعتبارها تحولت لمدخلات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها مثل اشتراكات شبكات الانترنت التي يحتاج لوجودها بشكل دائم وأيضا اشتراكات المنصات التعليمية التي ارتفعت قيمتها بصورة جعلتها منافس حقيقي وقاطرة لأسعار الدروس الخصوصية بدلا من أن تكون منقذا منها رغم المحدودية البالغة لمحتواها وتأثيراتها علي عمليات التحصيل الممنهج للطلاب .

وتمثل تلك المعضلة إشكالية شديدة الخطورة فيما يتعلق بالمخرجات الاجتماعية للتعليم فعندما يتحول إلي تجارة يكون منتجها الرئيسي مستوي تعليمي ووضع اجتماعي متميز لا يستطيع أن يحصل عليه إلا صاحب المال فيجب علي الدولة ـ وقتها ـ أن تقف حائلا أمام تغول مثل هذه الممارسات لا أن تكون شريكا فيها بتوسيع الفجوات بين الطبقات الاجتماعية وتحويل التعليم من وسيلة لإتاحة الفرص المتساوية لجميع الأفراد إلي سلعة يحكمها العرض والطلب ( فقط ) لمن يستطيع الإنفاق عليها .

سادسا : المعلمون : جزء من الأزمة .. جزء من الحل

لا يمكن الحديث عن أي تطوير للعملية التعليمية أو نجاح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي جعلتها الدولة جزء من رؤيتها الإستراتيجية للمجتمع ( 2030 ) دون الحديث عن المعلمين ومطالبهم واحتياجاتهم خاصة في ظل إقرار كافة الأطراف التنفيذية والتشريعية في عدالتها رغم المماطلة والتهرب من الوفاء بها فيؤكد الخبير التربوي كمال مغيث ( المعلم هو أساس وقلب العملية التعليمية سواء كان تعليما تقليديا أو متطورا داخل المنظومة أو خارجها بالتابلت أو بدونه وأن التعليم لن ينجح إذا ظل مستوى المعلم المادي ومكانته الاجتماعية ورضاءه عن مهنته خارج حسابات الدولة وأولوياتها فمعلمي مصر الآن هم أفقر معلمي الأرض لأنه لا يوجد معلم يبدأ عمله براتب لا يتجاوز ـ وفق قرارات الحد الأدنى الأخيرة ـ  ( 2200 ) جنيه شهرياً أي ما يعادل تقريبا ( 120 ) دولار وينهيها بعد سنوات عمل تقارب أربعة عقود براتب يزيد قليلا عن ( 4000 ) جنيه أي تقريبا ( 250 ) دولارا )

فالمعلمون الذين يصل عددهم ـ وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة الإحصاء ـ إلي ( 1,19 ) مليون معلم ووسط عجز في أعدادهم بلغ ( 340 ) إلف معلم يخرج منهم للمعاش سنويا ( 40 ) ألف بتصريح نقابة المعلمين أو ( 60 ) ألف بتصريح نائب الوزير لشئون المعلمين أو ( 80 ) ألف بتصريح وزير التربية والتعليم ( ؟؟؟ ) يعانون من أوضاع وظيفية ومالية بالغة السوء كانت سببا في حركة احتجاج واسعة بداية من 2006 وكانت سببا في عدد من الإصلاحات الوقتية التي حسنت دخل المعلم بإقرار قانون لكادر المعلم ووضع شروط تتعلق بتحسين ظروفه الحياتية عند الحديث عن منظومة الجودة الشاملة للمدارس قبل الالتفاف عليها والنكوص عنها ليصبح المعلمون ـ في مجملهم ـ ضمن الشرائح الدنيا للدخل بين موظفي الجهاز الإداري للدولة المصرية .

ويعد هذا الوضع نتيجة طبيعية ومباشرة لتطبيق عدد من النصوص القانونية التمييزية ضدهم مثل المادة ( 74 ) من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 والمادة ( 13 ) من قانون ربط الموازنة 2017 / 2018 رقم 145 لسنة 2017 والتي جمدت المرتبات وحقوق المادية للمعلمين على ربط ( أساسي 2014 ) بما يستتبع ذلك من ( تدني / تراجع ) الراتب الشهري الأساسي والمكافأة السنوية لأعمال الامتحانات بينما في المقابل يتم خصم الضرائب والمعاشات والنقابة على أساس المتغير السنوي للأساسي المعدل عن كل عام لاحق لتكون النتيجة الطبيعية لهذا الأمر تراجع رواتب المعلمين وتناقصها بدلا من زيادتها سنويا وهو وضع مختل وغير منصف وغير عادل لا تطبقه وزارة المالية ( ذاتها ) علي موظفيها .

غير أن الأكثر مدعاة للدهشة والألم كان في تصريح الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم إن ما يتقاضاه المعلم من أجر حاليًا لا يتناسب مع متطلبات الحياة ( المعلم يستحق ( 10 ) أضعاف مرتبه بس الدولة ممعهاش فلوس تزود بيها مرتباتهم ) وذلك قبل أن يتراجع ( لا أستطيع تحديد موعد لان كل محاولتنا مع وزارة المالية وأجهزة الدولة القانونية والتشريعية وبالتالي نحن نجتهد ونقاتل ولكن هناك جهات أخرى كثيرة تدخل في هذا القرار وهو ليس قرار وزاري خاص بنا في الوزارة وكذلك نحاول تنمية موارد أخرى كي ننمي دخل المعلمين ) وقبل أن يظهر نائب وزير التربية والتعليم ( لشئون المعلمين ؟؟ ) ويهاجم مطالب المعلمين ( أؤكد للمعلمين أننا لن نتراجع عن إصلاح المنظومة التعليمية وعلى رأسها ملف المعلمين ولن نتجاوب مع محاولات الابتزاز من بعض الأشخاص الساعين إلى الوصول إلى منصب بالوزارة أو النقابة مهما حدث ولن نتعامل مع أصحاب المطالب الفئوية )

وقد انعكست كل تلك المشكلات علي الصورة الذهنية للمعلم والتي جعلته يلجأ لتعويض الفارق بين الدخل الوظيفي وبين الاحتياجات الفعلية عن طريق المساهمة في تسليع مهنته والتوجه بها خارج إطار المؤسسة ( الدروس الخصوصية ) واستغلال أعمال الامتحانات كوسيلة للتربح بما نال من مكانته وعرضه للعديد من صور الانتهاك والاعتداء البدني والنفسي من قبل الطلاب وأولياء الأمور في ظل تجاهل الوزارة وقطاعاتها وكذلك لجنة تسيير الأعمال التي تشرف علي نقابة المهن التعليمية وفروعها للدفاع عنه أو الوقوف بجانبه عند التعرض لأي اعتداء ـ وهو ما تم رصده في وقائع يصعب حصرها لكثرتها ـ ليتحول المعلم إلي ـ نمط وظائفي روتيني ـ يؤدي مهامه في صورة ميكانيكية لا تتأثر أو تتجاوب مع محاولات التطوير أو رفع الكفاءة المهنية مع إهمال واضح لمنظومة القيم التعليمية والسلوكية والاجتماعية الواجب غرسها في نفوس المتعلمين بما يحمله ذلك من مخاطر تتعلق بإتاحة الحق في التعليم المنصف والجيد للجميع وفق مستهدفات الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة .

يضاف لما سبق غياب البرامج التدريبية والتأهيلية لرفع كفاءة المعلمين للوفاء بمتطلبات وظائفهم بصورة فاعلة وقابلة للتطور في ضوء تحديثات المناهج وما تتضمنه من معارف وقيم تتطلب تحسين مهارات المعلمين ووضوح الرؤية لديهم حول غايات العملية التعليمية حيث تهيمن الشكلية علي برامج التدريب ورفع الكفاءة التي تنفذ عبر برامج الأكاديمية المهنية للمعلم رغم شاعرها البراق ( مركز تميز محلي وإقليمي ودولي يضمن جودة منظومة التنمية المهنية المستدامة لأعضاء هيئة التعليم بشراكة فاعلة مع كليات التربية والمدارس والمؤسسات الأخرى ذات الصلة ) أو وحدات التدريب التابعة للإدارات التعليمية التي تغلب الشللية علي تكويناتها وعناصرها .

سابعا : افتقاد غايات ومستهدفات العملية التعليمية

نتفق جميعا أن المحصلة النهائية للعملية التعليمية الناجحة والمنشودة لابد أن تؤدي إلى مجتمع من المواطنين الأسوياء أقوياء الشخصية الذين يعرفون حقوقهم وواجباتهم ويدافعون عنها ويقرون فيما بينهم قيم رفيعة ثابتة مثل الديمقراطية والمواطنة والانتماء والعمل وغير ذلك .

وبما أن الدولة هي التي تقوم على هذه العملية التعليمية فلابد أن تقدم هي أولا الشفافية والنموذج الحي لتطبيق وترسيخ هذه القيم فإذا كنا حقا نريد من وراء التعليم ومنتجه مجتمعا ديمقراطيا حرا وقويا فلابد أن تنعكس هذه الإرادة ليس فقط نظريا في المناهج التي يتلقاها الطلاب في المدارس والجامعات بل أيضا عمليا في الواقع الذي يعيشونه ويتأثرون بكل تفاصيله .

ولابد أيضا من توفير الحرية والإمكانيات التي تسمح لهؤلاء الطلاب بالحركة والانفتاح والاحتكاك واكتساب الخبرة الكافيين لبناء الشخصية القوية الدقيقة وفهم العالم حولهم ولن يتحقق ذلك كله إلا بالإصلاح السياسي والديمقراطي وصولا للدعم الذي يلزم أن تقدمه وتتعاون فيه كل مؤسسات الدولة المدنية مع المنشآت التعليمية ومواردها البشرية وأنشطتها المتنوعة لتحقيق أهداف العملية التعليمية وفي المقابل يجب على هذه المنشآت التعليمية أن تكون عمليا في خدمة المجتمع وتوعيته والنهوض به .